
2025-10-02 80

حين تُعجز زهرة الأوركيد عقل دارون: الإتقان دليل الإيمان
الشيخ مصطفى الهجري
عادة ما يعتبر علماء الكلام
الإسلامي واللاهوت المسيحي أن اتقان الخلق من أفضل الأدلة والشواهد
على وجود الله تعالى، هذه الحقيقة التي اعترف بها حتى العلماء
الملحدين كالملحد الشهير واستاذ ميكانيكا الكم بجامعة أكسفورد ديفيد
دوتش وهو يستهزئ بالحال الذي وصل اليه الملحدون: «إذا زعم أي انسان
أنه لم يتفاجأ من الاتقان والدقة في هذا الكون وقوانين هذا الكون،
فهو ببساطة يدس رأسه في الرمل؛ المفاجآت كثيرة وغير متوقعة». صحيفة
الغارديان: عدد يوم الخميس 8 يناير 2009.
وهذا القول، وإن خرج من غير مؤمن،
إلا أنه يعكس الحرج الذي يواجهه العقل الإلحادي أمام روعة التناسق
والنظام في الخلق.
وقد حكى القرآن الكرم هذه الحقيقة
في آيات عديدة، كقوله تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ
كُلَّ شَيْءٍ..) النمل: 88، وقوله عز من قائل: (الَّذِي أَحْسَنَ
كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ..) السجدة: 7.
فهذه الآيات تدل على أن الإتقان
ليس صفة عارضة، بل هو قانون شامل يغمر الوجود كله.
تأملات في بعض مظاهر
الإتقان
إذا تأمل الإنسان أدق تفاصيل
المخلوقات، وقف مشدوهاً أمام عظمة الخلق، ومن ذلك ما نراه في **زهرة
الأوركيد**. فهذه الزهرة لا تكتفي بجمالها البديع، بل تحاكي **شكل
أنثى النحل** بدقة مدهشة، لتجذب ذكر النحل الذي يتوهم أنها شريكته،
فيحط عليها وينتقل إلى زهرة أخرى حاملاً معه حبوب اللقاح. والأعجب
من ذلك أن الأوركيد لا تكتفي بالمحاكاة الشكلية، بل تطلق **الرائحة
نفسها التي تفرزها أنثى النحل**، لتكتمل عملية الخداع البيولوجي
ويُضمن التلقيح. وقد اعترف تشارلز دارون – صاحب نظرية التطور – قبيل
وفاته بسنة واحدة، بأن هذه الظاهرة "تعصف بعقله"، إذ لا يمكن
تفسيرها إلا بوجود نظام مقصود وغاية محددة.
ومن جهة أخرى، إذا دققنا النظر في
جسم الإنسان، نجد دقة لا تقل عن روائع عالم النبات. مثال ذلك
**هرمون النمو**، الذي يُفرز في الدم بتركيز لا يتجاوز (5
نانوغرامات). وهذه الكمية المتناهية في الصغر – إذ إن الغرام الواحد
يكفي لثلاثة آلاف إنسان – لو اختل توازنها بأقل القليل لاختل معها
مصير الإنسان. فلو ارتفع تركيزه بجزء من مائة مليون جزء من الغرام
لأُصيب المرء بمرض العملقة، ولو انخفض بنفس المقدار لأصيب بالتقزم.
أليس هذا الإتقان الدقيق دليلاً على أن هناك مَن ضبط هذه النسبة
بحكمة بالغة؟
إن مثل هذه الأمثلة ليست سوى قطرات
من بحر الإتقان الإلهي. فالكون، من أدق الجسيمات في ميكانيكا الكم
إلى أعظم المجرات، محكوم بقوانين دقيقة متوازنة؛ ولو اختل واحد منها
لما كان للكون وجود أصلاً. وهذا ما يجعل المؤمن يستشعر عظمة قوله
تعالى: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ﴾ [الملك:
3].
يُظهر لنا التأمل في مظاهر الإتقان
– من دقة هرمونات الإنسان إلى براعة زهور الطبيعة، ومن انتظام
قوانين الفيزياء إلى جمال السماء المرصعة بالنجوم – أن الكون كتاب
مفتوح يقرأه كل عاقل بإنصاف. فإتقان الخلق لا يترك مجالاً
للعشوائية، بل يفتح أبواب الإيمان ويؤكد أن هذا النظام البديع هو
**صنعة الإله الذي أتقن كل شيء**.
وبذلك فإن دعوى الإلحاد، مهما زخرف
أصحابها القول، تصطدم بحقيقة لا يمكن إنكارها: أن وراء هذا الكون
المتقن رباً حكيماً، هو وحده المستحق للعبادة.
الأكثر قراءة
35538
19723