
2025-10-09 52

هل يشرعن القرآن المثلية؟ ردّ على تأويلات ألفة يوسف وأشباهها
الشيخ مقداد الربيعي
إن سألوني يوماً عما يجمع بين
كتابات المحدَثين وأقصد بهما المثقفين الذين خرجوا عن السياق العام
في فهم النصوص الدينية وجاؤنا بتفسيرات عجيبة غريبة خالفوا فيها
جموع المسلمين، لأجبتهم بجواب القرآن الكريم في قوله تعالى: (هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ
هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ
فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ
ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ..) آل عمران:
7.
فتراهم يتمسكون بنص يحتمل أكثر من
معنى من دون إرجاعه الى نص محكم واضح وصريح، فيختطفون آية من
سياقها، ثم يجتهدون في استنطاقها وانتزاع دلالتها على المعنى الذي
يريدونه.
من ذلك ما قامت به الكاتبة
التونسية الفة يوسف، في كتابها "حيرة مسلمة" حين ادعت دلالة قوله
تعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ
وَالْبَنِينَ..) آل عمران: 14، على جواز المثلية؛ من خلال تفسير
النص القرآني المتقدم بأن كلمة الناس شاملة للجنسين الذكور والإناث
وعليه فجميع الناس ذكران وإناثاً زُين لهم حب الشهوات من النساء،
فقالت: «وواضح أن الله ـ عز وجل ـ يسند حب الشهوات المذكورة الى
الناس جميعهم، ومن هذه الشهوات النساء». حيرة مسلمة: ص177.
لتعود بعد ذلك وتحاول أن تخفف من
وطئ المعنى على القارئ المسلم بأن مرادها مجرد وجود الحب والتعلق
القلبي دون جواز الممارسة الجنسية المثلية. فتقول: «فهل يعني هذا أن
هذه الآية تصرح بأنه قد زُين للنساء باعتبارهن من الناس حب الشهوات
من النساء؟ لماذا لا يمكن أن يكون في اختيار كلمة «الناس» العامة
وإسناد «النساء» اليها باعتبارهن من الشهوات دلالة عميقة حكيمة
تتجاوز معنى جنسانية الشهوة او معنى الممارسة الجنسية لتشمل إشارة
ضمنية رمزية الى شوق ممكن بين أُنثيين». المصدر نفسه: ص180.
ورغم استفزازية هذا الكلام حتى
للنساء اللاتي جملهن الله بالحياء، إلا أنه قد وجد صداه عند من يبحث
عن مبررات لممارسة الرذيلة.
إرجاع المخطوف
نحن إذا أردنا أن نصل الى المعنى
المقصود من الآية الكريمة، فيجب علينا أن نحررها أولاً من الاختطاف
الذي قامت به الباحثة الفة يوسف، ونردها الى سياقها الذي جاءت فيه،
فقد جاءت ضمن آيات تحث على جهاد المشركين وتحفز فيهم روح مقاومة
النفس ونزوعها الى الشهوات والملذات، قال تعالى: (قَدْ كَانَ لَكُمْ
آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ
الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ. زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ
الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ
الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. قُلْ
أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا
عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ
اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) آل عمران: 13 ـ 14.
فالمعنى العام للآيات الكريمة هو
الحث على الجهاد وترك الدعة والخلود الى الشهوات، وإذا فهمنا هذا
السياق العام سيتضح لنا أن كلمة "الناس" الواردة في الآية محل البحث
يقصد منها خصوص المكلفين بالقتال وهم عادة الرجال، فيضحى معنى الآية
الكريمة: زين للرجال حب الشهوات من النساء والبنين ...
واستخدام كلمة عامة وإرادة صنف
معين من الناس كثير في القرآن الكريم، واليك بعض النماذج: قال
تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ
جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا
حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران: 173. فقوله: قال
لهم الناس، لم يرد منه جميع الناس، فمن المحال ان يجتمع كل انسان
مخلوق ويقول للمسلمين: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ
فَاخْشَوْهُمْ). بل ورد في سبب النزول ان القائل هو شخص إعرابي
واحد.
وقوله تعالى أيضا: (وَإِذْ قَالَ
اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ
اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ..) المائدة:
116، فقطعا ان السؤال يتعلق بحصة خاصة من الناس، وهم الذين قالوا
بألوهية عيسى عليه السلام، فلم يرد من لفظ الناس عمومهم.
كذلك قوله عز من قائل: (قَالَ
أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ
وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) الأعراف: 116، فلا
يحتمل أحد دخول موسى عليه السلام في عموم الناس الذين خافوا
واسترهبوا، فلم يقصد من لفظ الناس عمومها ايضاً.
والخلاصة ان لفظ "الناس" جاءت في
القرآن كثيراً، وفي أكثرها يقصد منها فئة خاصة من الناس، ومن ذلك
الآية محل النقاش، فقد قصد منها المكلفون بالقتال وهؤلاء تنزع نفوس
بعضهم الى الشهوات من النساء والبنين والأموال. فيبطل استدلال
الباحثة المبني على دخول النساء في دلالة لفظ "الناس" الوارد في
الآية الكريمة.
دوافع الانحراف الجنسي عند
النساء
وبما أن الكاتبة تحاول التأصيل
لمسألة الشذوذ الجنسي عند النساء، فمن المناسب ذكر الدوافع الحقيقة
التي تدفع بعض الناس لممارسة هذه الرذيلة الأخلاقية، وعلى لسان أكثر
العلماء تخصصاً؛ فقد ذكر الدكتور جوزيف نيكولوسي رئيس الجمعية
الوطنية للأبحاث وعلاج الشذوذ الجنسي في أمريكا أن دوافع السحاق
هي:
أولاً: رفض الفتاة لهويتها
الأنثوية وذلك لأسباب عدة، قال: «فالنساء اللواتي تحولن الى السحاق
قررن ـ على مستوى اللاوعي ـ أن كونهن إناثاً؛ إما أن يكون شيئاً غير
مرغوب فيه، أو غير آمن. وفي بعض الأحيان؛ يرجع هذا الأمر الى ما تمر
به الفتاة من تحرش جنسي مبكر على يد أحد الذكور». الرجولة إنجاز:
دليل الآباء لوقاية الأبناء من الشذوذ الجنسي، ص230.
وتؤكد الدكتورة النفسية إيلر
بويكو هذا السبب بقولها: «اعتقد ان الطريق المعتاد الذي يؤدي الى
السحاق لدى النساء هو تشكل موقف أو اتجاه نفسي رافض للأنوثة بسبب
أحداث أو تجارب سابقة تبعث برسالة مفادها: ان المرأة شيء غير آمن
وغير مرغوب فيه». المصدر نفسه: ص234.
ثانياً: العلاقة السيئة بالآباء
السيئين الذين يتسم بعضهم بالبرود العاطفي او القسوة المفرطة او
إدمان الكحول. ويؤدي تراكم المواقف السيئة في الطفولة والمراهقة
المؤلمة الى قطيعة تامة مع الرجال في جميع العلاقات عامة وفي
العلاقة الجنسية خاصة.
ثالثاً: تعرض النساء للاستغلال
الجنسي او الاغتصاب والتحرش في مرحلة الطفولة والمراهقة، فيترسخ في
عقلها الباطن أن كل علاقة محتملة مع أي رجل ستكون امتداداً للتجربة
الأولى، بخلاف العلاقة مع الأنثى التي تتصف بالرقة واللطف. يقول
الدكتور تشارلز سوكارديز: خلال ممارستي العملية اكتشفت ان السحاقيات
لديهن شعور قوي بالدونية عندما كن فتيات صغيرات وهذا يمهد الطريق
أمام حدوث علاقة سحاقية بين النساء، وغالباً مع نساء تعرضن للجرح
نفسه بطرق مشابهة». المصدر نفسه: ص244.
رابعاً: شعورها بالحرمان او النقص
في حنان الأم ورعايتها بسبب جفاف الأم وقسوتها، فتلجأ الى التعويض
من خلال رمي نفسها بين أحضان امرأة أخرى. وعن ذك تقول الدكتورة إيلر
بويكو وهي تصف العلاقة المثلية بين النساء بأنها تبدو: «مثل إشباع
لرغبة قديمة جداً، كأنه مثل العودة الى الوطن». المصدر نفسه:
ص252.
هل ذكر القرآن الكريم حكم
السحاق؟
من باب الكلام يجر الكلام، من
المناسب لتتميم البحث أن نجيب عن سؤال الكاتبة ألفة يوسف عن سبب عدم
ذكر القرآن الكريم لحكم المساحقة، كما ذكر حكم الزنا
واللواط؟!
وفي الحقيقة أن السؤال خاطئ، فمن
قال إن القرآن الكريم لم يتناول ذلك، لذا نبهنا في عنوان هذه الفقرة
على هذه المغالطة، وأعدنا صياغة السؤال: هل ذكر القرآن الكريم حكم
السحاق؟
كل من تعود تلاوة كتاب الله ـ حتى
لو لم يكن من المتخصصين ـ يلتفت الى أن القرآن الكريم قد يتناول حكم
الشيء بصورة مباشرة وقد يتناوله ضمن حكم عام، من ذلك مسألة السحاق،
فقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)
إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ
فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) المؤمنون: 5 ـ 7.
فحدد الكتاب العزيز صور العلاقات
الجنسية المحللة، وحصرها بالعلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة ـ إذ
لم يعهد إطلاق لفظ الزوج على المماثل جنسياً ـ وملك اليمين، أي بين
الرجل ومملوكته، ثم منع كل ما عدا ذلك، من اللواط والمساحقة وغيرها
من الصور.
فلا ينحصر التحريم بذكر الشيء
باسمه، وإلا فلنا أن ننقض على الكاتبة بكثير من العلاقات التي تقول
هي بحرمتها والمنع منها، فالقرآن الكريم لم يذكر حرمة نكاح البهائم
مثلاً، ولم يذكر حرمة الاستمناء، فهل هذا يعني جوازهما؟!
ثم ان السنة الشريفة هي من تتولى
بيان وتفسير عمومات الكتاب، ولا اشكال في كثرة الأحاديث التي تناولت
حرمة السحاق، فعن بشير النبال قال رأيت عند أبي عبد الله عليه
السلام رجلا فقال له جعلت فداك ما تقول في اللواتي مع اللواتي، فقال
له: «لا أخبرك حتى تحلف لتخبرن بما أحدثك به النساء قال فحلف له قال
فقال هما في النار وعليهما سبعون حلة من نار فوق تلك الحلل جلد جاف
غليظ من نار عليهما نطاقان من نار وتاجان من نار فوق تلك الحلل
وخفان من نار وهما في النار». جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي
- ج 20 - ص 375 – 376.
كما أن الشريعة حرمت افعالاً جنسية
دون ذلك بكثير، فمن باب أولى يكون السحاق حراماً، فحيث كان الالتصاق
الجسدي، والملامسة البدنية عاملا أساسيا في إذكاء الحالة الشهوية
بين الشابين أو الشابتين، لذلك فقد منعت الشريعة الالتصاق
والمباشرة، وجعل جزاء ذلك التعزير ومع تكرر ذلك في النساء تتضاعف
العقوبة إلى أن تصل إلى القتل! فقد جاء في رواية عن الإمام الصادق
عليه السلام: «ليس لامرأتين أن تبيتا في لحاف واحد إلا أن يكون
بينهما حاجز، فان فعلتا نهيتا عن ذلك وإن وجدتا بعد النهي جلدت كل
واحدة منهما حدا حدا، فان وجدتا أيضا في لحاف واحد جلدتا فان وجدتا
الثالثة قتلتا». وسائل الشيعة - الحر العاملي - ج 20 - ص
348.
وإذا اتحدت نصوص السنة مع
نصوص القران انتفى دعوة عدم ذكر القرآن لحكم السحاق. هذا إذا
تغافلنا عن ملاحظة مهمة، هي ندرة وقوع هذه الممارسة المبتذلة في
العصور الأولى من عمر التشريع الإسلامي، رغم وجود الروايات الحاكية
عن شياعها في قوم لوط، إلا انها انحسرت وانقرضت بعد ذلك. زاد
المعاد، ابن القيم محد بن ابي بكر: ج5، ص36.
الأكثر قراءة
35538
19723